
بين هدير المدافع و إرتدادات القذائف ، تستعد القرى الجنوبية الواقعة على خط التماس لخوض إستحقاقها البلدي و الإختياري ، هنا لا تُعلّق الصور الإنتخابية في أحياء هادئة بل في بلدات تمشي على حافة النار ، ويصرّ أهلها على أن يُقترع في حضرة الخطر ، تماماً كما يُقاوم في حضرة الموت .
أوراق الإقتراع في هذا الجنوب ليس مجرّد ممارسة ديمقراطية بل فعل صمود ، كل صوت يوضع في الصندوق هو تمسّك بالهوية ، وكل إسم يُعلّق على لائحة هو مواجهة أخرى في معركة البقاء . و في قلب هذه المعركة لا يغيب الحضور النسائي بل يفرض نفسه بثقة و تجربة لا من باب التجميل بل من موقع الشراكة و الفقل و القرار .
المرأة الجنوبية ، التي حملت أثقال الحروب و تبعاتها لم تنتظر دعوة أو فسحة دور بل جاءت إلى المواجهة من بابها العريض ، إلى المجالس البلدية بصفتها صانعة قرار ورافعة تنمية و شريكة في بناء ما تقصفه الطائرات .
الترشح في زمن النار : حق مقاومة
و في هذا السياق ، أكدت المرشحة لعضوية المجلس البلدي في بلدة العديسة الجنوبية خلود الحاموش أن الترشح لأي منصب هو حق طبيعي لكل مواطن يمتلك المؤهلات و القدرة على التغيير ، مشيرةً إلى أن خوض المرأة لهذه المعركة في المناطق الحدودية لا يقلّ شأناً عن أي شكل من أشكال المواجهة .
و لفتت إلى أن النساء اليوم أصبحن حاضرات بفعالية في كافة القطاعات ، من السياسية إلى الإقتصاد و من التربية إلى المال “فمن الطبيعي أن يكون لهن موقع في الشأن العام و في القرار البلدي ” .
و أضافت أن البلدات هي أكثر من مجرد إدارة خدماتية بل هي ساحة للتنمية و التوعية و تحديد الأولويات و شددت على أن ترشح النساء من القرى الواقعة على خط النار هو فعل شجاعة إضافيّ ، ويعكس دور الأنثى في ترسيخ خيار المقاومة ، قائلة : ” المواجهة لم تعد فقط عسكرية بل تمتد إلى ميادين القرار و التخطيط و المرأة الجنوبية بما تملكه من خبرة و معايشة للتحديات هي الأجدر بتقديم حلول عملية مستندة إلى واقع الناس ” .
الإنتخابات لا تكتمل دون القرى الحدودية
و تعليقاً على واقع الإنتخابات في القرى الحدودية ، إعتبرت المرشحة أن الإستحقاق البلدي لا يُمكن أن يُستثنى من أي بلدة لبنانية مهما كانت الظروف الأمنية صعبة .
و شددت على أن ” القرى الحدودية ليست هامشاً بل هي واجهة الوطن و تغييبها عن الإستحقاق الإنتخابي يعدّ طعناً بمبدأ العدالة و الديمقراطية ” .
و تابعت : ” صحيح أن بعض المناطق تعرضت للقصف أو التهجير لكن هذا لا يعني إسقاط حقها في المشاركة بل على العكس ، يجب أن يكون حضورها أولوية لتعويض غياب الدولة عنها طويلاً ” .
من قلب المعاناة … النساء أولى برسم سياسات التنموية
و فيما يتعلق بالحضور النسائي في العمل البلدي ، شددت المرشحة على أن المرأة في الجنوب ليست مجرد عنصر في المجتمع بل هي عموده الأساس لأنها الأم و الأرملة و أم الشهيد و المُهجرة و المناضلة .و أوضحت أن تجربتها كجزء من هذه الفئة ، تجعلها أكثر قدرة على فهم الإحتياجات الحقيقة خاصة في ظل التهجير و الحروب ، و أكدت أن برنامجها البلدي يركز على تخفيف العبء عن النساء اللواتي يعانينّ بصمت في حياتهن اليومية و قالت : ” إذا لم تكن المرأة في قلب القرارا ، فإن السياسات لن تعكس الواقع بل ستبقى مجرّد أوراق معلّقة على الحائط” .
الترشح موقف … و عدم الإنسحاب إنتصار
و عن التحديات الإجتماعية التي تواجه المرأة في الترشح ، لفتت المرشحة إلى أن بعض الأطراف لا تزال تتعامل مع وجود المرأة في العمل العام كنوع من الزيتة أو التجميل السياسي مؤكدةً أن هذا التوجه مرفوض كلياً .
و أضافت : ” لم ترشح حتى أتجمّل أو أساير ، ترشيحي هو إعلان موقف و عدم إنسحابي هو رسالة قوية حتى في حال عدم الفوز أنا إنتصرت لأنني خضت المعركة بكرامة و ثقة ” و تابعت أن المجتمع الذي يسعى للنهضة بجب أن يحتضن المرأة لا أن يقصيها و أن الحكم على الكفاءة يجب أن يكون من خلال العمل لا النوع الإجتماعي .
العمل البلدي مقاومة من نوع اخر
و حول دور المجالس البلدية في ظل الحرب ، شددت المرشحة على أن المقاومة لا تعني فقط حمل السلاح بل القيام بالواجب في كل ميدان ، بما في ذلك الميدان الإنمائي و الإداري .
و إعتبرت أن الشفافية و المبادرة و تحويل التحديات إلى فرص هي شكل من أشكال النضال اليومي ، وقالت : ” صحيح ان المواجهة قائمة و أن الشهادة قدر أبناء الجنوب ، لكننا في الوقت نفسه نريد أن نزرع و نبني و نحمي الناس بما أمكن” .
و تابعت : ” ليس علينا إنتظار المتغيرات الإقليمية لنبدأ ، علينا أن نبدأ و أن نبقى نعمل لأن الوقوف بوجه الحرب لا يعني فقط حمل البندقية بل أيضاً التمسك بالحياة رغم الدمار ” .
بين القصف و الصوت الإنتخابي ، تحوض النساء في القرى الجنوبية معركة إثبات الذات لا يسألن عن الضمانات و لا يتنظرن الفرص ، بل يفرضن حضورهن حيث يُفترض أن تُرسم ملامح القرار .
الجنوب لا ينتخب كما الأخرين بل يصوّت بلغة الشهداء و يختار على وقع التهديدات و في هذا المشهد تحولت صناديق البلديات إلى جبهة جديدة تُكتب فيها هوية الأرض بأصوات لم تعد تٌخيفها الطائرات .